حديث
الذكريات
الخيال ما يميز الطفولة والمراهقة
عن باقي مراحل العمر، عالم الأحلام الجميل الذي يصنعه كل منا على حسب تشكيله. وما
يشكلنا في هذا العالم كثير، وذكرياتي هنا محورها الكتاب….
نعم الكتاب؛ في مجتمع يبيع الكتب روبابكيا لمحلات
الفول والطعمية دون أن يهتز له جفن أو يلتفت لتأنيب ضمير الكاتب الجالس منذ آلاف
السنين!
طفلًا تعرفت إلى الكتاب من حكاية دينية
لأمي وهي "حونس"*،
فالمسجد عندما يعطينا هدايا تكن "قصص عبد الحميد جودة السحار"، وأبي
الذي اصطحبني لمكتبة قريبة لشراء السحار، فالمدرسة التي طلبت عند حصص المكتبة قصص
للقراءة كنت أحضر السحار أيضَا! لأكتشف بعد كل هذه السنين أنني "دغف"؛ لأني لم أجمع السلسلة
الدينية للسحار، أعده كاتبًا رائعًا وناشرًا مغامرًا نساه المجتمع وتراكمت الأتربة
فوق أعماله الرائعة…
في أواخر الطفولة وبدء
المراهقة*، تعرفت على نوع
أخر من القصص _وإن كنت أعرف بعضه مسبقًا مثل فلاش وبعض كتاب دار الهلال_ من نشر "دار
المؤسسة العربية الحديثة" التي تعد بمقاييس العصر مغامرة لأنها تنتج أدبًا
مخصصًا للمراهقين!
المؤسسة أخذت على عاتقها ذلك
وربحت وربحنا، قدمت لنا كتاب مثل نبيل فاروق، أحمد خالد توفيق، خالد الصفتي، ولم
أعرف غيرهم الحقيقة لمدة طويلة حتى الجامعة!
فلأذكر القصص بالترتيب الذي عرفته بها:
"رجل المستحيل"
الذي يجيد ما هو مستحيل، الذي يشبه "بوند" _عرفت ذلك في الجامعة_ في كل
شيء حتى حبكة القصة وعلى الرغم من ذلك يقسم كاتبه أنه مختلف! ولا أعرف كيف هو
مختلف يمكن لأنه لا يلتفت لما تلقيه الأحداث في طريقه من نساء، على عكس من الصورة
الذهنية المستترة في الستينات والتسعينات عن صورة "رجل المخابرات" (الدكر)
والحمد لله أكد لنا أحمد موسى ورفيقه عكاشة هذه الصورة الذكورية من أنه لا يوجد
رجل مخابرات عاجز جنسيًا!
و"ملف المستقبل"
نور الدين محمود، وأحلام المستقبل الوردي الذي يداعب مخيلتي على الرغم من ذلك
السائق المتهور الذي قذفني _على حسب الروايات المتداولة_ عشرة أمتار دفعة واحدة، ومسمار
(الدكة) الذي قرر أنه يصاحبني في كل سنة دراسية أرتقي إليها، والمجاري التي تعلمنا
"الباليه" في منحة لا يجود بها الزمان إلا على أمثالنا
"الحالمين"! ما أصابني بالإحباط فعلًا في هذه السلسة هو المحن العجيب بين
"نور وسلوى"، لم أتقبله لا أعرف لماذا؟ فأين هي الأطباق التي تكسر على
الرؤوس، والصفعات التي يسمعها الشياطين في الجحيم، والصراخ الذي ينفر إبل
النعمان؟!
هل هناك داع أن أذكر التشابه
بين هذه السلسلة و "إكس فايل" أعتقد إنك أدركتها لوحدك! أه، أنا متحامل
على "نبيل فاروق" عندك مانع… وعلى الرغم من ذلك أشكره لأن أكيد كان في
ناس مثلي لا تشاهد التلفاز ولا تتابع القصص العالمية!
بعد فترة من متابعة "رجل
المستحيل وملف المستقبل" دخلت سلسلة أخرى مكتبتي "ما وراء الطبيعة"،
"رفعت إسماعيل" الذي يقابل (وحش لوخ-نس) ويد المجد والشياطين، رفعت زهرة
الحائط التي أضحكتني لدرجة القهقهة التي تريب أبي!
هي خلطة أدبية علمية خيالية
رزينة وناضجة جدًا على الرغم من اعتراف صاحبها أن هذا الفن مجموعة من القوالب
المحدودة التي يدور في فلكها كتاب الخيال العلمي جميعهم. أعجبتني تلك الرابطة بين "رفعت
وماجي" رابطة حب طبيعية تعترضها المشكلات والانفصال في نهايتها! أستطيع الآن
أن أقرأ بعض قصصها بأريحية خاصة الألغازية منها فهي تناسب الكبار أيضًا.
ثم ألحقتها بفانتازيا وروايات
مترجمة لنفس الكاتب الموقر، لأعلم كتاب لم أكن أعرفهم! فانتازيا والخلط بين الماضي
والحاضر، لفت انتباهي حرص الكاتب في بعض الأعداد استخدام تاريخنا الخاص، ليقدم
التاريخ لمراهقين لم يعرفوا إلا الرواية المدرسية المبتسرة ذات النقاط المغلوطة!
دمت مبدع
ردحذف