فى البدء كانت الخيانة، أحد وساوس الشياطين... أحد أساليب الإنس فى تنفيذ الرغبات والشهوات والاحتياجات، قديمًا قيل لا ينفع الحذر مع القدر... فهل الأصعب خيانة البشر؟ أم الدنيا بأسرها؟! هل الأفضل أن نكون كلابًا؟ أم لصوصًا؟ ومع الوقت ستدرك أن هناك خيار ثالث دائمًا أن تكون خفيًا تحرك الأشياء من حولك بخفة وخسة!
"ما فات فات، وكل ماحصل يقع كل يوم، وقد تحدث أمور مؤسفة وتنهار صداقات قديمة، ولكن لا يعيب الرجل إلا العيب"...... سعيد مهران ذلك الرجل حوادثه تعاكس اسمه، الرضا لا يعرفه والنحس ملازمه، رغم ذلك يعاند الدنيا والمجتمع ولا يعرف طريقًا إلى الله "أما تستحى أن تطلب رضا من لست عنه براضٍ" "صاحب البيت يرحب بك. وهو يرحب بكل مخلوق، بكل شئ"!
1972- 1973 |
رؤوف علوان "الحقيقة العارية، جثة عفنة لا يواريها تراب".... المثقف الواعى الناصح الفاهم الناصح المتمرد، دائمًا ما نصح بــ ما المانع من أن نسرق الأغنياء هذه فضيلة "ولكن ستجد البوليس لك بالمرصاد"، "أليس عدلًا أن ما يؤخذ بالسرقة فالبسرقة يجب أن يسترد".... حقيقة لا أتعجب هنا من كيف أن نجيب محفوظ غفلت عنه أعين الرقباء!! مهران وعلوان، أحدهما مُنظر والآخر ينفذ. أحدهما يصدح بالقول والآخر قفاه تصفق عليه أيدى الكلاب! "ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر"!
لم يجد مهران مفر أمام نفسه ليحتفظ بما تبقى من كرامته إلا أن ينتقم من كل الخونة زوجته وصديقه وكاتبه. ترك نفسه للغضب، فى حياته لم يقتات إلا عليه مغمسًا بكل أنواع الإحباط الممكنة موت أباه فأمه التى ماتت أمام ناظريه، خيانة كل قريب ليصبح مجردًا من كل ما عرف. كل اليقين ينقلب شكًا، كل الأحلام تصبح جاثومًا وكل هذا وقودًا لنار نفسه المحرقة. يحثه شيخه أن يستكين ويتوضأ ويقرأ "واصطنعتك لنفس"، فيجتر ما فات ليصبح ماضيه ملتحمًا بحاضره، وكيف ينفصلان وهما التوأم الملتصق فى القلب والوجدان؟!
"أكثرية شعبنا لا تخاف اللصوص ولا تكرههم... ولكنهم بالفطرة يكرهون الكلاب"... كل الكلاب انطلقت وراءه -أسف- أقصد الدنيا، جرائدها ومثقفيها وشرطتها. "البوليس لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب!" "الجرائد.. الحرب الخفية". الدنيا تقف أمامك يا سعيد وتصر على "ستنتصر ولو بعد الموت"، و"سأهرب حين أقرر..." لا بد إذن فى حيلة تتبعها هل ستتخفى فى عباءة الموت؟!
بعد أن تقرأ كل قصص النجيب تدرك أنه محفوظ فلم تلحظه عين رقيب ولا عقل بائس بئيس، فقصصه تحفل بالرموز وتلخص التاريخ بل حقائق الكون فى رواية تنحاز لمبادئ لا يعيها إلا اللصوص الهاربون من أعين كل الكلاب وحبال المثقفين الراقصين على جثث العباد... "إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أن لافرق بينى وبينكم إلا أنى داخل القفص وأنتم خارجه"!
تعليقات
إرسال تعليق
انقدنى ولا تبالى!