اتهموه بالهبل والعدمية وما خفى كان أعظم؛ جان بودريار أحد فلاسفة ما بعد الحداثة وصاحب نظرية الواقع الفائق.... التى تلخص حالة المجتمع والدولة الهشة التى يعيشها العالم كله من غربه لشرقه "إن السلطة التى تقوم على الوقاية والردع والأمن والرقابة هى سلطة قابلة للعطب رمزيًا."
فالصورة عند بودريار "قادرة على تشكيل الوعى فى المجتمع المعاصر. هناك صورة جديدة فاتنة للثقافة المعاصرة أعلت من شأن المشهد والصورة وجعلت منهما وسيطًا مهمًا من وسائط المعرفة، أدى هذا لغياب الواقع وتواريه خلف عالم من الصور ليصبح الواقع منكمشًا حتى بات صورة شاحبة أو غير ذات وجود أو بتعبير آخر الصورة احتلت الواقع!"
يوضح أكثر "الناس تتنفس أثيرًا من الصور الطافية التى لم تعد ذات علاقة بأى حقيقة كانت" فالإنسان هنا "ليس إلا منفذًا تقنيًا لأداة افتراضية، تقلصت فاعلية الإنسان لينحصر فى رد الفعل، بالتالى عدم القدرة على التمييز بين الواقعى والافتراضى أو الحياة= الوهم!"
مرت الصور بأربع مراحل؛ هى:
- الصورة تجسيد أو محاكاة فعلية للواقع.
- دخول فكرة التشويه.
- إعادة الاستنساخ الآلى للصور بحيث يفقد المصدر نفسه قيمته أو أصالته، فلا يمتلك المتلقى القدرة على التفرقة بين الأصل والصورة.
- اختفاء المصدر وصناعة الصورة.
أشهر أمثلة تطبيقية استخدمها بودريار كانت على حرب الخليج و تفجير البرجين التوأم التى أعقبها حرب العراق، ليصل بمبالغته لطرح تساؤلات هامة هى "هل كنا نشاهد الحرب كما هى فعلًا على شاشات الأخبار؟ أم كان المشاهدون يشاهدون واقعًا افتراضيًا؟!". ليطلق على الحرب "حدث شبحى.... حدث ألعوبة... خديعة هائلة، فالحرب قامت على مبدأ الإرهاب الأكثر قوة أو بتعبيره الموجز "إرهاب وقائى" قائم على "توقع الجريمة" هدفه خلق "نظام أمنى" يضع حدًا لكل حدث ممكن.
ولأن الإنسان أصبح رد فعل فنحن غير قادرين على منع شئ مما يحدث "أننا فرضيًا أسرى السلطة، وعلينا مواجهة حلف مؤلف السلطات، فالحرب ستقع على كل حال غير آبهة بالرأى العام العالمى".
والفيلم المصرى "المحاصر" يعبر عن هذه العدمية واللإرادة، فنجد البطل مستكينًا يشاهد التلفاز ويتسلى بالتهام طعامه أمام ما يفترض أنه حدث جلل... لنجده بعد قليل مندهشًا فمتألمًا ثم يعلن أن لا حيلة له فينضم لباقى الضحايا أو الأعداء المحتملين!
بل إن العنف الذى ترتكبه السلطة أثناء الحرب يصبح مبررًا فى إطار من الديموقراطية والشفافية البائسة التى سيشعر معها الأمريكيون بمرارة التجربة.... رغم كل الأعذار. ويبحث هنا بودريار عن سبب العنف أو الإهانة للآخر، فيؤكد أنه بغرض "إنهاؤه رمزيًا" لأن هدف الحرب الأساسى "إلغاء العدو، إلغاء نور سمائه"! ليخلص فى النهاية إلى أن أمريكا صعقت نفسها بالكهرباء!
وربما هذه القصيدة عبرت عما يريد أن يقوله بودريار ومخرج الفيلم أو على الأقل جانبًا منها.... قصيدة كتبتها فى 13- 7- 2011...
وهم الصدق
ذات صباح
أثناء الإفطار
على بضع لقيمات
مغموسة بأخبار الوهم على التلفاز .
هالنى
جدران بيتى العالية الخانقة
هالنى
عيناى المتأمرتين
فزعت
انقبض قلبى من هذا الوسواس.
بينى وبين أى قرار
العقل المغيب
والعالم المشبع
بصور تتوالد على يد السجان
من يدعمني؟!!
نفسي والحماس
قلت اذن لاتباطئ ولافرار
أقلع عيناى من محجريهما
وأسير بغير هدى
بعيدًا عن عالم الإرادة الواحدة
إرادة السجان
متجها نحو التبصر
نحو العيش فى الحياة!!
تعليقات
إرسال تعليق
انقدنى ولا تبالى!