تعدد مصادر المعرفة
بعيداً عن مقولة الفلاسفة "أن الحقيقة نسبية فى ذاتها"، نستطيع أن نصف الحقيقة بكل ما أدركته الحواس واستوعبه العقل من مصادر المعرفة المتعددة سواء كانت متناقضة أو متوافقة، الحقيقة ليست فى الكتب فقط بل هى خبرة تعيشها.
فى الماضى لم يستطع البشر تخطى حاجز المكان ولا الزمان محصوراً فى بيته أوبين ضفتى كتاب، فى القرن العشرين قفزنا قفزة هائلة فلا مكان ولا زمان يحد أفعالك كلية. المعلومة تصل لك عبر سلك بل وتستطيع أن تحفظها وتعيد عرضها أو صياغتها عند الحاجة.
الحقيقة نوعان خازوق خشبى و خازوق سوليفان
التلفزيون وجوجل
نستطيع أن نأخذ معلومة متكاملة من التلفزيون أياً كان نوعها، لكن بصراحة الحقيقة هنا خازوق خشبى لا يراعى أى حقيقة فسيولوجية أو حتى عقلية إنه يغتصبنا فى عنف دموى، يجبرنا على التسليم مبكراً من أن الحقيقة ليست لها وجوه متعددة!
جوجل هذا رجل شهبور موسوعى لماع، نستطيع بضغطة زر واحدة أن نجعله يأتى لنا بالعالم كله تحت أرجلنا أحداث غريبة أو كتب متنوعة أو أخبار بشتى ألوانها وتناقضاتها أو حتى معلومات زائفة. هذا الشهبور يعطى لك الإحساس بالسيطرة، حقاً أنت تتملك أدواتك فى البحث؛ التاريخ.. الزمان.. المكان.. مفردات البحث. والإحساس بالسيطرة أحد الأفكار اللاعقلانية الذى زرعها منتجو الخدمات المجانية على الإنترنت، فمقابل شعورك بالسيطرة يستطيعوا هم أن يمرروا كل المعلومات التى يريدونها أو يسمحوا فقط بالمعلومات التى يريدونها. نعيش فى عالم افتراضى خلاب نملك فيه أدواتنا بعكس الواقع المحبط والبائس الذى لا يهتم أحد فيه بنا، مقابل كل هذه المشاعر يسجنك رمزياً عن طريق بياناتك يشفرك واقعياً ليصبح كل شئ مختلطاً مشوشاً لا حاجز ولا فاصل بين عالمنا الافتراضى البياناتى وعالمنا المكون من لحم ودم. جوجل يقدم جزء من الحقيقة المنتقاة والمررة بعناية إنه خازوق سوليفان نأخذه برضا وانشكاح تام!
تلاقى المصالح... أبانا الذى فى المخابرات!
ليس هناك كاتب ما على هذا الكوكب الفظ لم يستعن بقصة جورج أوريل "الأخ الأكبر" فى وصف وتلخيص تلاقى المصالح أو وصف المتحكم فى سير الأمور والأحداث، مثل
"أبانا الذى فى المخابرات" كأحد المقولات المنتشرة مؤخراً لوصف الأحداث السياسية الجارية ومن المتحكم الفعلى بها.
أصبح الأمر طريفاً جداً مؤخراً ليكتشف العالم أن أمريكا تتجسس على الكرة الأرضية بأكملها، لتصبح المقولة التى تناقلناها ونحن صبية "أمريكا تستطيع أن تراك وأنت فى الحمام" أثناء الحرب على العراق واقعاً لا خيالاً! كل هذا لا يعادل ظرافة جوجل وياهو التى خرجتا على مستخدمى الانترنت فى العالم لتصرخا فى وجوهنا عن رفضهما القاطع لتجسس أمريكا على بيانات مستخدميها "والله يا بهوات إحنا مش موافقين على الكلام ده"!
يصبح الأمر حلزونياً إن عرفنا مثلاً أن مخترعى الانترنت والكمبيوتر وكالة ناسا و السى آى إيه، وأن قوانين أمريكا تبيح لها التلصص على من تشاء بغرض منع الإرهاب، وأن سنودن موظفاً لدى الحكومة الأمريكية لجأ إلى الشيطان الأعظم سابقاً روسيا، وأن وزير الخارجية المصرى يحدثنا بفخر أن مصر لا يمكن التجسس عليها وكأن السلك الملعون لم يأت من شركاتهم!
توضيح واضح ولا يحتاج منى زيادات، نأخذ مصر مثالاً... من هم أصحاب القنوات الإعلامية فى مصر؟ هم أصحاب شركات السيراميك والحديد والأدوية والأغذية والملابس وتصنيع المواد البترولية ودور النشر، هم مروجى ومهربى السلاح والمخدرات والبشر! لتصبح الحقيقة واحدة لا وجوه لها، الحقيقة فى بطن أبانا الذى المخابرات!
أين موقعنا إذاً من كل هذا كبشر مطيعين مخلصين؟ الحقيقة لا موقع لنا من الأساس!
تعليقات
إرسال تعليق
انقدنى ولا تبالى!