التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حامى الحمى

الواقع... ردع الحلم 

جون هوفر ظل في رئاسة المكتب من 1924- 1972
  أمريكا تعج بالفساد ولا زالت، ليست بلدًا مثاليًا كما يعتقد البعض، كما أن العدالة لا تعرف لها طريقًا هناك! أنت تهرطق، كيف هم مستمرون إذًا؟! بهذه الشعارات البسيطة!
"جوهر الديمقراطية لدينا مترسخ فى الاعتقاد بأهمية الفرد. أن الحياة تحمل معنى يفوق أي نظام يبتدعه الإنسان. أن الحب هو القوة الأعظم على الأرض فى صلابتها وبقائها بخلاف الحقد أو الفئات غير السوية من البشر"....... جون إدجار هوفر أو كما جاء على لسان الممثل المتناقصة وسامته ليوناردو دى كابريو!
  ربما ستجد تناقضًا الآن بين الأسطر السابقة والفيلم الذى أخرجه "كلينت إستوود"، الذي يحكى عن منشئ "جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية- 1924" كما يعرفه العالم الآن. واجه هذا الرجل صعوبات لا حصر لها بدءًا من أن المجتمع ينبذ كل مبتكر ومختلف عنه نهاية بمواجهة الفساد وضعف الضمائر!
  كون المكتب من لا شئ تقريبًا "ممنوع حمل الأسلحة، أو القبض على الأشخاص، بلا معمل جنائى، ولا أشخاص مؤهلون، ولا قانون يحميهم ويساندهم"! كيف بدأ إذًا؟!
بدأ عندما أعطتهم الحياة درسًا؛ تكاثرت قوى الشر أو ما يسميه هوفر "الشيوعية، التى تجعل من الرجل النبيل شخصًا حقير"!
  بدأ البداية الأكثر صعوبة على الإطلاق مواجهة الفكر المعادى لقلب وعقل النظام الأمريكى الرأسمالية- الفردية- النفعية- الانتهازية! وهذا أول تناقض فكرى يعارض الجملة الأخيرة فى الفيلم ولا أدرى إن كان المخرج قصد أم لم يقصد. وبغض النظر فهوفر الشاب كان منفذًا للأوامر كما قال هوفر العجوز عندما كتب سيرته الذاتية محاولًا تبرير تهجير أكثر من مواطن أمريكى بداعى بناء تنظيمات وجماعات مسلحة شيوعية! بل واتهم "مكارثى" بالانتهازية ونفى أى شبه بينهما!
  بعد نجاحه الباهر فى تكوين فريق يتتبع الأفكار ويقبض عليها! لم يتوان النظام مطلقًا فى جعله على رأس مكتب المباحث الفيدرالية الصغير فى ذلك الوقت مثل هوفر العشرينى! لم يضع الوقت؛ وضع شروطًا تنحاز للأكفأ بدنيًا وعقليًا وسلوكيًا والأصعب على الإطلاق أن  يأتوا على هواه... أن يحوزوا ثقته كما تخيلهم بالضبط! بنى أول معمل جنائى، سلح عامليه بالأسلحة، والأهم صنع القانون الذي وفر التغطية لمكتبه لإدراكه أنهم بلد تقوم على المؤسسات، دمج مكتبه فى النظام الأمريكى.


  واجه أساطير الإجرام فى أمريكا "الجريمة المنظمة" بل واجه اعجاب الأمريكيين بجرأة بريتى فلويد وبيبى فيس وماكين جون كيللى وجون دلينغر! ولم تمر هذه المواجهة هكذا بل استثمرها جيدًا وضع المكتب فى الواجهة، انتشرت نشرات الأخبار السينمائية عن المكتب وقصص الكوميكس والإعلانات... إلخ! من المكتب المنبوذ إلى المكتب الأكثر شهرة على الإطلاق فى حماية الداخل الأمريكى!
  ولأنه ذو نظرة ثاقبة؛ لم يتوان مطلقًا فى البحث وراء قادته! بدءًا من قادته المباشرين إلى القائد الأعلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية! لقد أدرك أن قوته لا يردعها رادع، أدرك أنه فى قلب النظام السياسى والأمنى وهذه مزية لا تمر على ثعلب مثله!
  بدونه لن يستمر المكتب هكذا اعتقد هوفر دائمًا، شعر بالتربص من قادته ولذا كان فى وضع الاستعداد دائمًا. تجسس على أكثر من رئيس خلال فترة رئاسته للمكتب التى بلغت ثمانية وأربعين عامًا، لم يهدأ عن تحصين نفسه فكان يردع مسبقًا كل تربص به. تجسس على شخوص المجتمع المدنى شارلى شابلن، مارتن لوثر كينج... إلخ، بداعى الانتماء إلى الفكر الشيوعى والأفكار المضادة للسلطة! فى المقابل برع فى إخفاء كل ما يتعلق به من ملفات وأمور شخصية!
  ولأن الحياة ليست وجهة واحدة أو أن كل شئ قابل للتأويل، فالفيلم لم يصمت عن تجوزات هوفر! فهو ليس بهذه المثالية التى أظهر نفسه بها؛ هل تتذكرون تتجسه على الحياة السياسية! لقد برع فى الاستخدام الثنائى لهذه الملفات فتارة يحذر الرؤساء من أخطار قادمة وتارة عندما لا يستجيبون كان يبتزهم بها!
  بعد موته ذهبت الدوائر السياسية فى التنقيب عنه، وكانت اتهامات استغلال النفوذ 
والمثلية الجنسية هى الأقرب والأوقع والأسهل فى مجتمع يقوم على النفعية! فكل شئ


متوقع مع رجل ظل على رأس جهاز الأمن الداخلى لمدة طويلة جدًا، لقد رُفع قانون الإحالة للتقاعد لسن السبعين فى عهد الرئيس "ليندون جونسون" من أجله ليظل محتفظًا بسلطانه! والتهمة الثانية المثلية الجنسية فى ظل مجتمع يعتبر أى علاقة حميمية بين رجلين هى شاذة، فاتهم بأنه اتخذ مساعده الأقرب فى المكتب "كلايد" خليل له! بل وانتشرت مزاعم أن المافيا عرفت بهذا وابتذته، والدليل عدم المواجهة الحاسمة معها.
  ويستمر الفيلم فى كشف التناقض أو الكذب وإدعاء أنه فعل كل شيء بمفرده. فى حين أنه مثلى الجنس إلا أنه لم يتوان عن رصد الحياة الجنسية لــ"إليانور روزفلت" زوجة الرئيس "فرانكلين" والإدعاء بأنها مثلية الجنس! بل ويستمر فى الكشف عن الفضائح بالإدعاء أن مارتن لوثر كينج وجون كينيدى وزوجته من محبى حفلات الجنس! ووصلت مزاعم التراخى أقصاها بإتهامه أنه غض الطرف عن "اغتيال كينيدى" والضبط عن المتورطين بالحادثة!
  من المضحك أن كل هذه الاتهامات لم تظهر إلا بعد وفاته، لم يصدح الشجعان بكل هذه الانتقادات إلا بعد موت الرجل! من المؤكد أنهم خشوه بشدة، مرعوبون إلى أقصى

درجة.... فالرجل لم يترك شاردة ولا واردة، لم يردعه تناقضه أو أنه يخالف طبائعه ويتجسس على من هم مثله! فالأهم أنه استطاع أن يخفى ملفاته وأفكاره وحياته الشخصية جيدًا، تركهم للقيل والقال فى حين أنه ترك ورائه مستندات للتاريخ عن كل فضائحهم!
  ولأن النظام حيوى ومرن استطاع جيدًا التغلب على فترة الإنغلاق هذه، فبدلًا من سياسة قمع الحريات الممنهجه هذه. أطلق العنان لكل الحريات دمج السود فى نظام المجتمع، الحرية الجنسية فأنت حر مالم تعتدى على المؤسسية القانونية الأمريكية! بل أصبح هناك شبه اعتذار عن الفترة المكارثية، وتعقب الأفكار الذى كان منتشرًا فى هذه الفترة! فمع دخول العالم فى عصر السبعينات أصبحت الحياة مختلفة التقنيات، عصر الأخ الأكبر بامتياز!
  جوليان أسانج وإدوارد سنودن يؤكدان على ترفع النظام الأمريكى عن كل الأساليب القديمة هذه وانتهاج سياسة المشى فى الظلال! فكلاهما أكدا أن أمريكا تختبأ تحت فراش كل رؤساء العالم، وربما داخل "بيت راحة" كل فرد فى العالم!
  ختامًا؛ مقولة "جان بودريار" تنفع عمليًا وواقعيًا فى مواجهة كل الأنظمة الشمولية، فهى أنظمة تنتمى لعالم الواقع بينما كل ثائر أو كل مخالف حقيقى لها ينتمى لعالم الخيال والرمز! وتوضح من هو الإرهابى الحقيقى........

"ألا تهاجم النظام أبدًا بمفردات علاقات القوى، ذلك هو الخيال الثورى الذي يفرضه النظام ذاته، النظام الذى لا يستمر فى الحياة إلا بإرغام الذين يهاجمونه على الدوام للقتال على أرض الواقع التى هى أرضه على الدوام. ولكن نقل الصراع إلى المجال الرمزى حيث قاعدة التحدى والارتداد والمزوادة. كما هو الأمر فى الموت حيث لا يمكن الرد إلا بموت مساو، أى تحدي النظام بعطاء لا يستطيع الرد عليه إلا بموته وانهياره الخاص"*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من كتاب "روح الإرهاب" لــ جان بورديار

* أنا بكتب فى المقال ده بتاع ثلاث ساعات كدة! فإذا لم تقرأه بتمعن فالأفضل أن ترجع      وتقرأه جيدًا بدل ما ادع عليك... حذار حذار!

تعليقات

  1. ههههههههههههههههههههههههههههه بدل ما ادعي عليك .. خلوة جداَ علي فكرة :)

    ردحذف

إرسال تعليق

انقدنى ولا تبالى!

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عود على بدء

 "بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" صد ق الله العظيم      "من أين يأتينا الفرح؟! ولوننا المفضّل السّواد! نفوسنا سواد..  عقولنا سواد..  داخلنا سواد .. حتّى البياض عندنا يميل إلى السواد!"  نزار قباني          شعار كل مرحلة منذ مينا موحد القطرين "الثقة العمياء".... أه احنا كدة وكيفنا كدة في حد له شوق في حاجة! الفرعون ليس مستبد فحسب، بل يتحكم في كافة الأمور ويعتبر شعبه ممتلكات غير عاقلة ولا يتوقع منها غير الخضوع! عودة نظرية "ده ميعرفش والنبي"! في ناس جعانة هيضرنا إيه لو بقى فيه ناس عطشانة! الفساد كثر جدًا... بس السيسي عسل قوي، شوف سقفولوه إزاي! من يصنع الوهم يكسب...  سلطة الوهم ترجو سقوط الإخوان، والإخوان تحلم بالاستيقاظ من الوهم... والشعب يميل  لصاحب الإيهام الأكبر! مجتمع الحباية بدءً من عباس حباية، انتهاءً ببايع الخضار اللي بيقول لزميله: هديك حباية بقى وياللا زرقة كمان! المستبدون العظام دائمًا عندهم رحابة صدر، والكتاب العظام قد يمدحون لكنهم يوجعون. اليوم العالمي للمرأة ليه ما فيش يوم عالمي

ملاحيظ جمع ملحوظة

الغريب إن كلمة أحا ، تجيبها يمين تجيبها شمال هى أحا! مصر تعنى الحد بيين شيئين ، الآن الحق و الباطل ليس من ضمنهما! الآن يقف المعلمون فى طابور الصباح ، والطلبة فى سباتهم يحلمون ويحتلمون! حامل البضان الملكية ، ومن لايحملهم! أسخف من مذيع أو سياسى! نحن نستهلك كل شئ ، حتى أولادنا نستورد الفياجرا لإنجابهم!

والنبى إيه... بالذمة!

فى ناس قمامير كدة لوحدهم، يبقى الباحث المحترم اللى بره قعد يجرب فى نظريته -فى المتوسط كدة- بتاع عشر سنيين قوم ييجى واحد فذلوك عايز ينقد النظرية.. قوم ينقدها نظرى ولو طبقها لن تتاح له الامكانات ولا الظروف اللى الباحث الأجنبى ده تعب قلبه وضيع عمره فيها...... ياه الناس دى أساطير فعلًا بروح مهماهاتهم الطيبة عايزين يمحوا تعب عشر سنين فى حين إنهم لسه فى زمن paste و copy! بص يا سيدى بقى احنا هنا، اللى باباه سباك بيطلع سبالك... واللى باباه طبيب بيطلع طبيب... واللى باباه دكتور بيطلع دكتور... واللى باباه مستشار بيطلع مستشار.... واللى باباه ناشط سياسى... بيطلع ناشط سياسى..... هى دى بقى ياسيدى الطبقة المتوسطة العليا والطبقى العليا... طب بالله عليك.. بالله عليك عايزنا بعد الجمود ده نتغير بأمارة إيه طيب؟!